أعلنت محكمة المقاطعة في مدينة زيلونا غورا البولندية إفلاس شركة Cinkciarz.pl، إحدى أبرز علامات التكنولوجيا المالية في بولندا، بعد عام من الأزمات التنظيمية المتتالية، وتجميد الحسابات، وفتح تحقيقات جنائية انتهت بإصدار الإنتربول مذكرة حمراء بحق مؤسسها.

المحكمة قضت في 27 أكتوبر بإشهار إفلاس الشركة وتعيين شركة Grenda-Restrukturyzacja كوصي إداري لتولي إدارة الأصول. وأمهلت المحكمة الدائنين حتى 26 نوفمبر لتقديم مطالباتهم، ما ينهي شهورًا من الغموض عاشها آلاف العملاء الذين حُجزت أموالهم منذ أواخر عام 2024.

من قصة نجاح إلى انهيار مدوٍ

تأسست Cinkciarz.pl على يد مارسين بيوورو، وحققت في العقد الماضي شهرة واسعة كإحدى قصص النجاح في قطاع التكنولوجيا المالية البولندي. انطلقت كشركة لتحويل العملات عبر الإنترنت ثم توسعت لتصبح علامة تجارية وطنية بفضل رعايتها لفريق كرة السلة الأمريكي شيكاغو بولز لمدة سبع سنوات.
كما أنشأت الشركة القابضة الأم، Conotoxia Holding، فروعًا في مجالات المدفوعات والوساطة المالية في بولندا وقبرص والولايات المتحدة.

لكن هذا النجاح بدأ ينهار في أكتوبر 2024، حين قررت هيئة الإشراف المالي البولندية (KNF) سحب ترخيص مؤسسة الدفع من شركة Conotoxia التابعة للمجموعة، مستندة إلى “إخفاقات في حماية أموال العملاء وسوء في إدارة المخاطر”. القرار كان نافذًا فورًا، مما أدى إلى شلل كامل في عمليات الشركة.

تجميد الحسابات وفتح تحقيقات جنائية

سرعان ما أبلغ العملاء عن تجميد حساباتهم وتعطّل التحويلات. وبدأ مكتب الادعاء في بوزنان تحقيقًا في مزاعم تتعلق بالاحتيال وغسل الأموال، قُدّرت خسائر العملاء فيها بنحو 125 مليون زلوتي بولندي (حوالي 30 مليون دولار أمريكي).
وفي مارس 2025، أيدت المحكمة الإدارية في وارسو قرار الهيئة التنظيمية، ما أكد قانونية سحب الترخيص. بالتوازي، قدم أحد الدائنين طلبًا لإفلاس الشركة، فيما وسّع الادعاء تحقيقاته لتشمل عددًا من المديرين التنفيذيين السابقين.

توقف كامل للأنشطة وتصاعد الاتهامات

مع حلول الربيع، كانت أعمال Cinkciarz.pl قد توقفت تمامًا. ومع غياب الترخيص وتجميد الحسابات المصرفية، لم تعد الشركة قادرة على تسوية أي معاملات. تقارير محلية ذكرت أن بعض العملاء طُلب منهم سداد التزامات صرف أجنبي رغم فشل التحويلات، وهو ما زاد من فقدان الثقة.

وفي مارس، قدمت شركة Conotoxia Inc الأمريكية، التابعة للمجموعة، شكوى إلى السلطات الأمريكية تتهم فيها الجهات البولندية “بتجاوز الصلاحيات” وتطالب بتعويضات بمليارات الزلوتي. غير أن الخطوة لم تؤثر على سير التحقيقات داخل بولندا.

ملاحقة دولية وتدخل الإنتربول

في مطلع الخريف، حصل الادعاء البولندي على مذكرة اعتقال أوروبية بحق بيوورو، وفي أكتوبر أصدر الإنتربول نشرة حمراء بحقه بتهمة الاحتيال واسع النطاق. وذكرت وسائل الإعلام البولندية أنه غادر البلاد قبل أشهر من صدور المذكرة.

تصفية الأصول ومصير العملاء

بموجب قرار الإفلاس، ستتولى شركة Grenda-Restrukturyzacja الإشراف على حصر الأصول والتحقق من مطالب الدائنين والإشراف على أي عملية تصفية لاحقة. وستكون الأولوية لتتبع الحسابات الخاصة بأموال العملاء والأصول الفكرية المرتبطة بعلامتي Cinkciarz وConotoxia.

محامون في وارسو قالوا إن القضية كشفت هشاشة نموذج الشركات المالية الناشئة التي تعتمد على تراخيص الدفع، إذ يؤدي فقدان الترخيص إلى انهيار هيكلها بالكامل. ويتوقع المراقبون أن تؤدي الفضيحة إلى موجة من التدقيق في القطاع مع تشديد هيئة KNF رقابتها على كيفية تعامل الشركات مع أموال العملاء.

فجوة بين السمعة والواقع المالي

توضح القضية التناقض بين قوة العلامة التجارية وضعف الأساس المالي، فالشركة أنفقت مبالغ طائلة على الرعاية والتسويق لبناء الثقة الجماهيرية، لكنها انهارت بمجرد فشل آليات الحماية.
ويواجه المديرون السابقون دعاوى مدنية وجنائية محتملة، بينما يمكن للادعاء المطالبة باسترجاع أموال في حال ثبوت إساءة استخدام الودائع.

الدائنون والمرحلة المقبلة

يتعين على الدائنين تقديم مطالباتهم عبر السجل الإلكتروني لإعادة الهيكلة في بولندا (KRZ) قبل نهاية نوفمبر، على أن يقدم الوصي تقريره الأول لتحديد إمكانية استرداد أي أموال من الحسابات المتبقية أو حقوق العلامة التجارية.

درس قاسٍ للقطاع المالي البولندي

يرى محللون أن انهيار Cinkciarz.pl يمثل في الوقت ذاته تحذيرًا وتأكيدًا على فعالية النظام الرقابي. فالهيئات التنظيمية نجحت في منع مزيد من الخسائر للعملاء، لكنها كشفت أيضًا مدى هشاشة شركات التكنولوجيا المالية عندما تنهار الثقة والامتثال.

شركة كانت يومًا تُفاخر بشعارها بجانب ملاعب الدوري الأمريكي للمحترفين، أصبحت اليوم مجرد ملف إفلاس يحمل الرقم ZG1E/GUp/9/2025 — وتذكير صارخ بأن وعود التكنولوجيا المالية لا تصمد طويلًا عندما تنفد أموال الثقة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *