تجري شركة ماستركارد (Mastercard) محادثات متقدمة للاستحواذ على شركة البنية التحتية للعملات الرقمية زيرو هاش (Zero Hash) مقابل ما يصل إلى ملياري دولار، وفقًا لتقارير من “فورتشن” و”رويترز”، في خطوة من شأنها أن تدفع عملاق المدفوعات العالمي نحو قلب منظومة العملات المستقرة والأموال المرمّزة.
من بطاقات الدفع إلى البنية التحتية
يمثّل الاستحواذ المحتمل تحولًا استراتيجيًا لماستركارد، التي تنتقل تدريجيًا من برامج بطاقات الكريبتو إلى البنية التقنية الأساسية لمعالجة المدفوعات الرقمية. فبعد سنوات من التعاون مع منصات تداول لتشغيل بطاقات خصم مرتبطة بالعملات المشفّرة — قبل أن توقف بعضها لاحقًا، مثل بطاقة “باينانس” عام 2023 — بدأت الشركة تركّز على تطوير شبكات التسوية المعتمدة على العملات المستقرة.
وفي أبريل 2025، أعلنت ماستركارد عن قدرات “شاملة من البداية إلى النهاية” في مجال مدفوعات العملات المستقرة، بما في ذلك تسوية المدفوعات للتجار عبر شركاء مثل OKX وNuvei. وبعد شهرين، انضمت إلى شبكة الدولار العالمية (Global Dollar Network) التابعة لشركة Paxos، وهي تحالف يعتمد على عملة USDG المستقرة، وأضافت ماستركارد دعمًا لعملات مستقرة أخرى مثل USDC من سيركل وPYUSD من باي بال وFIUSD من Fiserv.
زيرو هاش: المفتاح السريع للبنية التحتية الرقمية
تأسست شركة زيرو هاش في شيكاغو عام 2017، وتوفّر تقنيات مرخّصة في مجال العملات الرقمية والعملات المستقرة للبنوك وشركات الوساطة والتكنولوجيا المالية. وقد بلغت تقييمها مليار دولار في سبتمبر الماضي بعد جولة تمويل بقيمة 104 ملايين دولار قادتها شركة Interactive Brokers، بمشاركة مورغان ستانلي وSoFi وApollo.
ويمتلك الاستحواذ المقترح أهمية استراتيجية لماستركارد، إذ سيوفّر لها منصة جاهزة تشمل خدمات الحفظ والسيولة والتداول والتخزين، إضافة إلى مجموعة واسعة من تراخيص تحويل الأموال في الولايات المتحدة ورخصة BitLicense من ولاية نيويورك — وهي أصول تنظيمية يصعب الحصول عليها بسرعة.
وقال مصدر مطلع إن الصفقة “ستُقصّر زمن دخول ماستركارد للسوق لسنوات”، مضيفًا أن الشركة ستكون قادرة على تقديم خدمات عملات مستقرة متوافقة تنظيميًا دون انتظار كل بنك شريك للحصول على تراخيص الأصول الرقمية الخاصة به.
المنافسة تشتد بين عمالقة المدفوعات
تأتي هذه الخطوة في وقت تكثّف فيه شركات أخرى مثل فيزا (Visa) وباي بال (PayPal) وسيركل (Circle) تجاربها في مجال تسوية المدفوعات بالعملات المستقرة. وتُعتبر استراتيجية ماستركارد هجومية ودفاعية في آن واحد، إذ تهدف إلى تأمين موقع مباشر في عمليات سكّ وتسوية واسترداد العملات الرقمية قبل أن تستحوذ الشركات المنافسة على هذا القطاع.
وفي وقت سابق من أكتوبر، أفادت تقارير بأن ماستركارد وكوينبِيز (Coinbase) درستا الاستحواذ على شركة البنية التحتية المستقرة BVNK ومقرها لندن مقابل نحو ملياري دولار. إلا أن كوينبِيز ركزت لاحقًا على تعزيز شراكاتها مع الجهات المصدّرة، بينما وجّهت ماستركارد اهتمامها نحو زيرو هاش الأكثر ارتباطًا بالمؤسسات المصرفية.
تراخيص وتنظيمات تمنح الأفضلية
يركّز مؤسس زيرو هاش والرئيس التنفيذي إدوارد وودفورد على بناء الشركة حول الامتثال التنظيمي. تمتلك الشركة 51 ترخيصًا لتحويل الأموال عبر الولايات الأمريكية، وهي مسجلة لدى FinCEN وتضم رخصة BitLicense ضمن تراخيصها، ما يمنحها مكانة فورية كأحد أكثر مشغّلي العملات المستقرة امتثالًا في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تستخدم منصة E*TRADE التابعة لمورغان ستانلي خدمات زيرو هاش في تداول العملات الرقمية اعتبارًا من مطلع 2026، وفقًا لرويترز. ويعزز هذا التعاون مكانة الشركة كمزوّد موثوق للمؤسسات المالية الكبرى.
الأبعاد الاستراتيجية والاستثمارية
لم تُعلّق أي من ماستركارد أو زيرو هاش رسميًا على الصفقة حتى الآن، لكن المصادر تشير إلى أن المناقشات تشمل مزيجًا من النقد والأسهم، مع حوافز مالية إضافية لقيادات زيرو هاش بعد دمجها ضمن وحدتي “Move” و”Multi-Token Network” لدى ماستركارد. ويتوقع محللون أن تمر المراجعة التنظيمية بسلاسة نسبيًا، نظرًا لأن الصفقة رأسية وليست تنافسية، رغم احتمال مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) للجوانب المتعلقة ببيانات المستخدمين.
وإذا اكتملت الصفقة، فستكون لحظة مفصلية في تاريخ شبكات المدفوعات التقليدية، إذ يبدو أن ماستركارد لا تعتزم مقاومة التحوّل نحو التسوية عبر السلاسل (On-Chain)، بل السيطرة على البنية التحتية التي تجعلها ممكنة — لتزرع نموذج رسومها في الجيل القادم من المدفوعات الرقمية.
نظرة إلى المستقبل
لا تزال العملات المستقرة تمثل نسبة ضئيلة من حجم المدفوعات العالمي، إلا أن جاذبيتها تتزايد بفضل سرعة التسوية وانخفاض التكلفة. ومع إضافة تراخيص زيرو هاش وتقنياتها وشبكة علاقاتها المؤسسية، تراهن ماستركارد على اقتناص حصة مبكرة من تدفقات المدفوعات الرقمية قبل أن تتجاوز شبكات البطاقات التقليدية.
ورغم أن السعر المقدر للصفقة بين 1.5 و2 مليار دولار يبدو مرتفعًا لشركة ناشئة عمرها سبع سنوات، إلا أنه بالنسبة لماستركارد شراء استراتيجي يمنحها ثلاثة أصول لا تُقدّر بثمن: الوقت، والمصداقية، والموطئ التنظيمي في سوق يُعاد تشكيله ليكون العمود الفقري الجديد للمدفوعات العالمية.