أعلنت منصة تداول العملات الرقمية Bybit، وهي من بين أكبر منصات التداول في العالم، أنها ستتوقف عن قبول المستخدمين الجدد من اليابان ابتداءً من نهاية أكتوبر، في خطوة جديدة ضمن حملة السلطات اليابانية المستمرة لإخضاع منصات الكريبتو الأجنبية للرقابة المحلية.

وقالت الشركة إنها ستوقف استقبال المقيمين والمواطنين اليابانيين اعتبارًا من الساعة 12:00 بالتوقيت العالمي (UTC) يوم 31 أكتوبر. وسيظل بإمكان العملاء الحاليين استخدام حساباتهم في الوقت الراهن، لكن القرار يُنهي سنوات من العلاقة المتوترة مع وكالة الخدمات المالية اليابانية (FSA)، التي وجهت تحذيرين رسميين للمنصة بسبب عملها دون ترخيص — الأول في عام 2021 والثاني في 2023.

خلفية تنظيمية مشددة

يأتي هذا القرار في وقت تستعد فيه طوكيو لجولة جديدة من التشريعات الأكثر صرامة. فقد بنت اليابان أحد أكثر الأطر التنظيمية شمولًا في العالم عقب انهياري Mt. Gox وCoincheck.
بدأ ذلك بتعديل قانون خدمات الدفع لعام 2016، الذي فرض على المنصات التسجيل والتحقق من هوية العملاء وفصل أموالهم عن أموال الشركة. ثم جاءت تعديلات عام 2019 التي مدّت معايير قوانين الأوراق المالية لتشمل مشتقات الكريبتو وقيّدت الإعلانات، تلاها تحديث شامل في عام 2022 لإدخال قاعدة السفر (Travel Rule) لتتبع التحويلات عبر الحدود.

وفي عام 2025، تمضي الجهات التنظيمية اليابانية خطوة أبعد. فقد نشرت الـFSA مؤخرًا ورقة تشاور تقترح إلزام المنصات بالاحتفاظ بأصول العملاء داخل اليابان لضمان سرعة التعويض في حال وقوع أزمات، إلى جانب بحث فرض قواعد لمكافحة التداول بناءً على المعلومات الداخلية. وتشير تقارير محلية إلى أن الوكالة قد تتجه قريبًا إلى تصنيف العملات المشفرة كأدوات مالية، لتصبح خاضعة لقانون الأدوات المالية والبورصات (FIEA) الأكثر صرامة.

خطوة وقائية لإعادة بناء الثقة

يرى خبراء في طوكيو أن قرار Bybit بوقف استقبال مستخدمين جدد هو الخطوة “الأنظف” نحو الامتثال بعد سلسلة التحذيرات. وقال أحد المستشارين القانونيين هناك:
“عندما تتلقى إنذارات علنية، فإن الإجراء الصحيح هو إيقاف التوسع مؤقتًا وإعادة هيكلة النشاط تحت إشراف مباشر من الجهات التنظيمية.”

تأسست Bybit في عام 2018 وتتخذ من دبي مقرًا لها، وتُعد من أكبر المنصات عالميًا من حيث أحجام تداول المشتقات. لكنها تواجه تدقيقًا متزايدًا في عدة أسواق. فقد أوقفت عملياتها في المملكة المتحدة قبل تطبيق قواعد التسويق الجديدة الصادرة عن هيئة السلوك المالي (FCA)، وأغلقت أنشطتها في فرنسا بعد إدراجها على القائمة السوداء لهيئة الأسواق المالية (AMF)، كما توصلت إلى تسوية عام 2022 مع السلطات الكندية في أونتاريو منعتها من استقبال عملاء جدد هناك.

تداعيات اختراق ضخم وتشدد تنظيمي عالمي

تزامنت هذه المشكلات مع زيادة المخاطر التشغيلية. ففي فبراير 2025، تعرضت Bybit لاختراق ضخم قدرت خسائره بنحو 1.5 مليار دولار، وتعهدت بتعويض المتضررين. وقد عزز الحادث موقف الجهات التنظيمية التي تطالب باعتماد أنظمة حفظ باردة للأصول (Cold Wallets) وتقييد استخدام المحافظ الساخنة، وهي مبادئ طبقتها اليابان قانونيًا منذ سنوات.

بنية الإشراف المحلي

يخضع الإشراف في اليابان لهيكل مزدوج؛ حيث تتولى وكالة الخدمات المالية (FSA) منح التراخيص ومراقبة الامتثال، بينما تضطلع جمعية التبادلات الافتراضية اليابانية (JVCEA) — وهي هيئة ذاتية التنظيم معتمدة منذ عام 2018 — بوضع المعايير الفنية والتشغيلية مثل تنفيذ قاعدة السفر وإجراءات إدراج الرموز.
ولا يُسمح لأي منصة غير منضمة إلى JVCEA أو غير ملتزمة بمعاييرها بالتعامل مع المستخدمين المحليين.

الاتجاه نحو اعتبار العملات رموزًا مالية

تركز الجهات التنظيمية اليابانية الآن على سلوك السوق. فقد أثارت ورقة FSA لعام 2025 فكرة معاملة تداول الرموز كتعامل بالأوراق المالية، بما في ذلك فرض قيود على استغلال المعلومات غير العامة، بما ينسجم مع الاتجاه العالمي السائد في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإخضاع الكريبتو للقوانين المالية التقليدية.

مستقبل Bybit في اليابان

بالنسبة للمستخدمين اليابانيين الحاليين، لن يحدث تغيير فوري، لكن النمط واضح من تجارب سابقة: ففي بريطانيا وفرنسا، بدأت Bybit بفترات سحب تدريجية انتهت بإغلاق كامل.
ما لم تحصل المنصة على ترخيص رسمي أو شراكة مع جهة محلية مرخصة، فمن المرجح أن تواجه السيناريو ذاته في اليابان.

في المقابل، يُتوقع أن تستفيد البورصات المحلية مثل bitFlyer وGMO Coin وCoincheck من القرار، إذ تلتزم هذه الشركات بإطار رقابي صارم يشمل تتبع التحويلات وحفظ الأصول في محافظ باردة، ما يمنحها ميزة تنافسية في السوق المحلية.

بين الانسحاب وإعادة التمركز

تُظهر خطوة Bybit الأخيرة أنها ليست انسحابًا كاملاً بل إعادة تموضع إستراتيجية. فالأجندة التنظيمية الجديدة في اليابان — من إلزام الاحتفاظ بالأصول محليًا إلى رقابة أكثر على التداول الداخلي والإعلانات — ترفع سقف التحديات أمام أي منصة دولية ترغب في دخول السوق اليابانية.
ويبدو أن الرسالة من طوكيو واضحة: المنصات الأجنبية مطالبة بالعمل وفق القوانين المحلية، لا من خارجها.

قرار Bybit يعكس نهجًا متكررًا في صناعة الكريبتو العالمية: عندما تشتد الرقابة، تختار المنصة التراجع مؤقتًا، وإعادة الهيكلة، وانتظار نافذة أوضح للعودة.
وما إذا كانت هذه العودة ستتم عبر التسجيل الرسمي، أو شراكة محلية، أو خروج نهائي من السوق اليابانية، فسيعتمد على مدى قدرتها على التكيف مع المعايير اليابانية الصارمة — وعلى كيفية تعريف اليابان لمفهوم “منصة متوافقة” في عصر التنظيم الشامل للأصول الرقمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *