هيئة السلوك المالي البريطانية تكشف خسائر بـ75 مليون جنيه إسترليني في عقود الفروقات وتوسع حملتها ضد مؤثري المال

أصدرت هيئة السلوك المالي البريطانية (FCA) تحذيرًا جديدًا لمستثمري التجزئة في عقود الفروقات (CFDs) بعد أن كشفت عن خسائر تجاوزت 75 مليون جنيه إسترليني تكبدها أكثر من 90 ألف مستثمر لدى إحدى الشركات التي تم الترويج لها عبر مؤثرين ماليين على وسائل التواصل الاجتماعي.
الهيئة شددت على أن المستثمرين لا ينبغي أن يتنازلوا عن حقوق الحماية الاستهلاكية، محذّرة من الممارسات التسويقية عالية المخاطر التي تدفع الأفراد إلى فئات تداول لا تناسب خبرتهم أو قدرتهم المالية.

ممارسات تضليلية ومخاطر متزايدة من “المؤثرين الماليين”

قالت الهيئة إن بعض الشركات تستخدم أساليب ضغط لإقناع العملاء بالتحول إلى فئة المستثمرين المحترفين، ما يفقدهم الضمانات الأساسية مثل حدود الرافعة المالية وحماية الرصيد السلبي.
وأوضحت أن عددًا متزايدًا من المؤثرين الماليين (finfluencers) يروّجون لشركات وساطة غير منظمة تعمل خارج المملكة المتحدة، مقدّمين وعودًا بعوائد غير واقعية مقابل الاشتراك في نسخ الصفقات أو الانضمام إلى حسابات مدارة أو شراء إشارات تداول مدفوعة.

الهيئة أكدت أن هذه الممارسات أدت إلى خسائر فادحة لدى المستثمرين الأفراد، مشيرة إلى أن أكثر من 90 ألف شخص خسروا مجتمعين نحو 75 مليون جنيه إسترليني خلال أربع سنوات في شركة واحدة فقط.

حملة رقابية مكثفة على المحتوى المالي

في إطار جهودها لمواجهة الترويج المالي غير المرخص، حجبت FCA أكثر من 1,600 موقع إلكتروني وأزالت 50 تطبيقًا ماليًا، كما استهدفت أكثر من 1,500 مؤثر مالي على منصات التواصل.
وخلال عام 2024، تدخلت الهيئة في نحو 20 ألف حملة ترويجية مالية، وألغت تراخيص 1,500 شركة، وأصدرت 2,240 تحذيرًا بحق كيانات غير مصرح لها.

كما تم التحقيق مع 20 مؤثرًا ماليًا تحت طائلة القانون، في حين أُطلقت 38 تحذيرًا عامًّا إضافيًا. وذكرت الهيئة أن تقارير “المبلغين” ساهمت في 908 إجراءً رقابيًا جديدًا يتعلق بانتهاكات لمبدأ الواجب تجاه المستهلك (Consumer Duty)، الذي يلزم الشركات بتقديم منتجات ملائمة وواضحة وذات قيمة عادلة.
وفي السياق ذاته، تم تغريم البنوك البريطانية أكثر من 45.5 مليون جنيه إسترليني بسبب إخفاقات في الامتثال التنظيمي.

من عقود الفروقات إلى واجب حماية المستهلك

ترجع جذور الحملة الحالية إلى عام 2016، حين بدأت الهيئة بمراقبة ممارسات الوسطاء في تصنيف العملاء بشكل خاطئ. وفي عام 2018، فرضت هيئة الأوراق المالية الأوروبية (ESMA) قيودًا مؤقتة على عقود الفروقات، من بينها حدود رافعة مالية تصل إلى 30:1، وحماية الرصيد السلبي، وتحذيرات إلزامية تُظهر نسب الخسائر الفعلية للمستثمرين.
وفي عام 2019، جعلت FCA هذه القواعد دائمة عبر البيان التنظيمي PS19/18، الذي قدّر أنه أنقذ المستثمرين البريطانيين ما بين 267 و451 مليون جنيه إسترليني سنويًا.

لكن الهيئة لاحظت أن بعض الشركات بدأت بالتحايل على القواعد من خلال تحويل العملاء إلى فروع خارجية أو إقناعهم بالتسجيل كمحترفين — وهو سلوك أصبح لاحقًا محور إنفاذ رئيسي لدى FCA.

التركيز على المحتوى الرقمي والمخاطر الاجتماعية

مع تصاعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصدرت الهيئة في مارس 2024 توجيهات نهائية بشأن الإعلانات المالية عبر المنصات الرقمية، مؤكدة أن المحتوى المنشور على شكل “ميمز” أو “ريلز” أو فيديوهات من مؤثرين يخضع لنفس معايير الإعلانات التقليدية.
وبحلول منتصف 2025، كانت الحملة قد توسعت دوليًا، وأسفرت عن اعتقالات وتحذيرات عامة وإغلاق عشرات الحسابات، لا سيما تلك التي تروّج لتداول النسخ أو الأرباح السريعة دون ترخيص.

دوافع مالية وراء المخاطر

تقول الهيئة إن بعض الوسطاء يسعون إلى ترقية العملاء لفئة المحترفين لأن ذلك يسمح لهم بالتداول برافعة أعلى، ما يزيد حجم المعاملات وأرباح الشركات.
لكن هذه الممارسة قد تعني أن أموال العملاء لم تعد محمية بموجب قواعد فصل أموال العملاء (CASS)، حيث يُسمح بتحويل ملكية الودائع إلى الشركة ضمن ترتيبات TTCAs، وهو ما يجعل الأموال عرضة للخطر في حال انهيار الوسيط.

تحديث متوقع لقواعد تصنيف العملاء

تستعد الهيئة لإطلاق مشاورة تنظيمية جديدة لتحديث آلية تصنيف العملاء ضمن دليل السلوك التجاري (COBS 3.5).
ومن المتوقع أن تتطلب التعديلات الجديدة أدلة أكثر صرامة قبل نقل أي عميل إلى فئة المحترفين، مع وضع مسارات واضحة للمتداولين ذوي الخبرة الفعلية.

كما تخطط الهيئة لمواصلة حملتها ضد الإعلانات المالية غير المرخصة، مؤكدة أن نشاط وسائل التواصل أصبح الآن خطرًا تنظيمياً مباشراً.
وقالت الهيئة في بيان صادر في يونيو 2025: “يجب أن تكون جميع الإعلانات المالية على المنصات الرقمية عادلة وواضحة وغير مضللة — دون استثناءات.”

رقابة عالمية على “مؤثري المال”

لم تقتصر الجهود على المملكة المتحدة؛ إذ حذّرت هيئة الأوراق المالية الأسترالية (ASIC) مؤخرًا 18 مؤثرًا ماليًا من الترويج لمنتجات عالية المخاطر مثل عقود الفروقات وتقديم نصائح مالية غير مرخصة.
تأتي هذه التحركات ضمن حملة دولية تستهدف المحتوى المضلل والمجموعات المغلقة عبر الإنترنت، مع التشديد على أن تقديم المشورة المالية للجمهور يتطلب ترخيصًا رسميًا لحماية المستثمرين الأفراد.

مرحلة جديدة في معركة طويلة

يرى خبراء السوق أن حملة FCA تمثل المرحلة الأحدث في معركة بدأت منذ نحو عقد لتنظيم سوق عقود الفروقات عالية المخاطر، حيث أدت الدعاية العدوانية والتصنيفات الغامضة والتحايل عبر الفروع الخارجية إلى تقويض حماية المستثمرين.

ورغم أن أدوات الهيئة — من حدود الرافعة إلى التحذيرات الإلزامية — ما تزال نفسها، فإن ميدان المعركة تغيّر.
فاليوم، لم يعد التحدي في المنتج المالي ذاته بقدر ما هو في بيئة التسويق الرقمي التي تضخّم المخاطر وتضعف وعي المستثمرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *